خطر CBDCs يقترب.. العملات الرقمية المركزية تنسفُ الديمقراطية

تمكنت العملات الرقمية وتقنية البلوك تشين Blockchain القائمة عليها من جذب الاهتمام العالمي نحو التداول والاستثمار فيها، في حين قد بدأت الكثير من الدول في العالم والقيادات السياسية والاقتصادية الحاكمة لها، تبحث عن طريقة لتواكب هذا التوجه الشعبي، وتتحول إلى العالم الرقمي واستخدام عملات رقمية مدعومة من الحكومة لتستفيد من ميزاتها وتسيطر عليها.

وكان الخيار الأفضل لتحقيق ذلك، هو فكرة إطلاق عملات رقمية مركزية أي من قبل البنك المركزي التابع لكل دولة، بمثابة بديل رقمي للعملة الورقية.

ولكن ما هي العملة الرقمية للبنك المركزي؟ وكيف يمكن أن تؤثر على الديمقراطية السائدة في السلوك المالي للناس؟ ما هي مزاياه؟ وأهم المخاوف المتعلقة بها؟ هذا ما ستبينهُ الأسطر التالية.

في البداية لا بد وأن نتعرف على مفهوم العملة الرقمية للبنك المركزي Central Bank Digital Currency والتي تُعرف باختصار CBDC.

مفهوم العملة الرقمية للبنك المركزي

العملة الرقمية للبنك المركزي Central Bank Digital Currency أو ما تعرف باسم العملة الرقمية المركزية أو عملات البنوك المركزية الرقمية، ويُرمز لها بالرمز CBDCs، هي في مفهومها تشبه العملات الرقمية المتداولة في عالم التشفير عبر الإنترنت، فهي رموز رقمية لكنها صادرة عن البنوك المركزية أو السلطة النقدية في الدولة، وترتبط قيمتها بقيمة العملة الورقية الرسمية للبلد الذي يعود إليه البنك المركزي.

إقرا أيضًا: فخ مصيدة الدببة.. 3 خطوات تنجيك من الخطر المؤكد

كما نعلم لكل دولة عملة ورقية رسمية خاصة بها، تُستخدم للتبادلات والخدمات والشراء والبيع، وهي عبارة عن نقود مادية وعملات معدنية، لكن ظهور العملات الرقمية المشفرة والتكنولوجيا سمحت للدول باستكمال النظام المالي القائم لديهم بنموذج قائم على الائتمان يتم فيه تسجيل الأرصدة والمعاملات رقميًا، والجدير بالذكر أن هذا التوجه زاد بشكل كبير خلال جائحة COVID-19.

باختصار، العملة الرقمية المركزية هي شكل من أشكال النقود الالكترونية تستخدم لإتمام المدفوعات المالية وفي جوهرها هي عملة نقدية ورقية.

ولكن، ما الذي يميز العملات الرقمية المركزية؟

من المتوقع أن اعتماد عملات البنوك المركزية الرقمية أن يوفر عمليات دفع أسرع من الأنظمة التقليدية، فضلًا عن أنها تعمد إلى توفير عملة آمنة وموثوقة تجعل من شراء الأصول الرقمية عملية مضمونة سهلة وتتم بسرعة مقارنة بالحالة التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، ستوفر العملات الرقمية المركزية معاملات دفع أسرع بتكاليف ورسوم منخفضة وكفاءة عالية.

ما الاختلاف بين CBDCs والعملات الرقمية ؟

بشكل عام العملات المشفرة تتمتع بدرجة أمان أعلى من ناحية التزوير والتلاعب، ولا سيما أنها تستخدم آليات إجماع توفر لها الحماية، ولكن هي أصول رقمية متقلبة لا يمكن أن تكون قيمتها مستقرة، حيث يتم تحديد قيمتها وفقًا لاهتمام المستخدمين والتوجه نحو التداول فيها واستخدامها، بالتالي هي غير ملائمة للاستخدام في نظام مالي عالمي. في حين تعكس عملات البنوك المركزية الرقمية قيمة العملة الورقية للدولة المرتبطة بها وهي مصممة لتحقيق الاستقرار والأمان.

العلاقة بين العملات الرقمية المركزية والديمقراطية

لا يغفل أحد عن أن العالم يحكمهُ نظام مالي عالمي، يتمثل في كل دولة بقلة صغيرة من الأقوياء الأثرياء، الهدف الأساسي لهم هو الحفاظ على قوتهم وثروتهم. وتصب في مصلحتهم تحول العالم إلى الرقمنة وطرح العملات الرقمية المركزية، حيث تتعارض هذه العملات مع مبادئ الديمقراطية، فمن المتوقع أن تصبح السيطرة في أيدي المنظومات الحاكمة وبالتالي تستطيع بسهولة الوصول إلى بيانات ومعلومات المستخدمين والتحكم بحساباتهم وتجميد أو إيقاف حساباتهم، وهذا ما يتطلب تدخل المؤسسات الديمقراطية والمحافظة على هذه الخصوصية قبل أن يصبح الأمر واقعًا.

من ناحية أخرى، تكثر الأقاويل والأفكار السائدة حول أن البنوك المركزية ستكون بمثابة الواجهة الرسمية لحكومة البلد التابعة له، حيث ستتولى مهمة تنظيم المعاملات والبنى التحتية، بينما ستكون جميع البيانات والمعلومات وتنفيذ المعاملات المالية تحت سيطرة الحكومة.

والآن، كيف يمكن للعملات الرقمية المركزية إنهاء الديمقراطية؟

كما سبق وأوضحنا سوف تتيح عملات البنوك المركزية الرقمية لسلطات وحكومات الدول التحكم في شؤون الناس المالية، حيث ستصبح هذه الحكومات قادرة على التحكم بعمليات البيع والشراء للمواطنين، والسيطرة على حساباتهم في حال تطلب الأمر ذلك.

إقرا أيضًا: دمج الإيثيريوم Ethereum Merge

من ناحية أخرى، ستصبح حياة الناس وأعمالهم مكشوفة أمام الحكومة وذلك من خلال الاطلاع على العمليات المالية التي يجرونها والخدمات التي يبحثون عنها، أي ستفرض حكومات البلدان سيطرتها على الناس وستكون ذات تأثير قوي على حياتهم وشؤونهم المالية.

العملات الرقمية المركزية بين مؤيد ومعارض

في الحقيقة تبحث الكثير من دول العالم حول إطلاق عملة رقمية خاصة بالعملة الورقية الرسمية للبلاد، وكانت دولة الصين السباقة إلى ذلك، بوصفها من أقوى دول العالم اقتصاديًا، وقد حققت عملتها الرقمية تطورًا كبيرًا، وهذا ما دفع البنك المركزي للبنوك المركزية “بنك التسويات الدولية” إلى دعم فكرة العملات الرقمية المركزة وذلك ليبقى في موقع السيطرة والتحكم في المشروع القادم، وذلك بهدف إتاحة الفرصة أمام قلة مختارة من التحكم بالنقد العالمي.

من ناحية أخرى، هناك محاولات مشاريع مقترحة من قبل العديد من الدول لإطلاق هذا المشروع بلغت ما يقارب 60 دولة طرحت أفكار مشاريع رقمية مركزية، من بينها الهند التي أعلنت عن إطلاق مشروعها الرقمي المركزي عام 2023. وتجدر الإشارة إلى أن جزر البهاما هي أول دولة تطلق عملتها الرقمية المركزية.

فيديو 100 دولة تتجهُ للعملات الرقمية

المخاوف المتعلقة بالعملات الرقمية المركزية

من المخاوف الرئيسية المتعلقة بالعملات الرقمية المركزية هي مشكلة الخصوصية، فكما سبق وذكرنا، يمكن للسلطات الحاكمة الوصول إلى بيانات ومعلومات المستخدمين، والتحكم بحساباتهم. ويمكن السيطرة على هذه المخاوف من خلال إخفاء هوية العملاء وذلك بترميزها بعلامات رقمية لا يستطيع تمييزها إلا شخص محدد يُمنح الحق في الوصول والاطلاع عليها.

من ناحية أخرى، تمركز السلطة المالية في أيدي نظام نقدي جديد متمثل بالأقوياء والسلطات الحكومية سيجعل الناس مسيرين حسب رغبات هذا النظام، وبالتالي مجبرين على التكيف وفق التطلعات الجديدة.

وفيما يخص الديون العالمية، من المتوقع أن يفرض النظام المالي الجديد آليات سداد لهذه الديون أكثر صرامة وديكتاتورية. حيث ستتحكم في السلوك المالي للعملاء وتتحكم في آلية استهلاكهم ومقدار النفقات والمدخرات الخاصة بهم.

والجدير بالذكر أنه سيتم إطلاق العملات الرقمية المركزية في وقت ما في المستقبل، ولن يستطيع أحد إيقاف حركة الرقمنة التي يتحكم بها أقوياء العالم، ولكن من المرجح أن يشهد العالم صراعًا حول السلطة وانتزاع السيطرة على النظام المالي الجديد. لذا على دول العالم عدم الوقوف في وجه هذه الحركة، بل البحث عن نهج مالي سياسي يوفر مواكبة للتطورات والتغيرات الاقتصادية مع توفير مستويات حماية وأمان للعملاء والمواطنين وضمان أكبر قدر ممكن من الديمقراطية والحرية المالية.